ألِسْيو أرينا Alessio Arena
اختارها وترجمها عن الإيطاليَّة: أمارجي
ألِسْيو أرينا في سطور:
من الأصوات الشِّعريَّة الشَّابَّة في إيطاليا، وُلِدَ في باليرمو سنة 1996. يدرسُ حاليَّاً الآداب في جامعة باليرمو. حصلَ في سنة 2016 على جائزة "سالفاتورِه كوازيمودو" العالميَّة للشِّعر، وسُمِّيَ "فارساً أكاديميَّاً" لكلِّيَّة النُّبلاء الأكاديميَّة في فلورنسا. عُيِّن منذ 2016 رئيساً لقسم الشَّباب عن مجلس مدينة باليرمو في جمعيَّة "دانتي أليغييري" التي أسَّسها كاردوتشي في روما سنة 1889. صدرت له قصائد ضمن العديد من المختارات، مثل: "شعراء معاصرون"، "بصمات"، "شعراء إيطاليُّون من عصرنا". صدرت مجموعته الشِّعريَّة الأولى سنة 2015 بعنوان "أحاديث شاردة". وفي سنة 2016 صدرت مجموعتاه: "أدراجٌ مُبعثَرة" و"رسائل من الألفيَّة الثَّالثة". مرشَّحٌ في سنة 2017 لجائزة نوبل للآداب، ويُعَدُّ لذلك من أصغر المرشَّحين في تاريخ هذه الجائزة.
النُّصوص:
الغرفة 96
افتحْ عينيك، ما يزال ثمَّة وجوهٌ قابلةٌ للتَّصوير.
عمَّا قليلٍ يجيء الصَّيف، والبحرُ لا ينتظرُ سلاماً لكي ينسحبَ من الحرب.
كان الرَّبيعُ هنا، ولم نكن نحن.
تحدَّثنا عن تخوم الفِكر الأكثر بُعداً، عن بروقِ الأحلامِ الأكثر هوادَةً،
ولكنَّنا آثرنا جدرانَ غرفةٍ
واكتفينا بتخيُّلِ القرميدِ تحتَ حرارةِ الملاط.
ضُمَّ هذا الوزنَ إلى صدرِك واحْنُ على الوقتِ مثلَ أبٍ:
حتَّى وإن لم يبادلكَ العاطفة، حتَّى وإن بقيتْ عاطفتُكَ وحيدةً تستعطِف.
فقط عندما يتحتَّمُ على الشَّيء أن يتكرَّر،
عندما يسأمُ العالَم، وتُخاطُ الغاياتُ، وتصيرُ ابتسامتنا زائفة،
فقط حينذاك
أغمضْ عينيك.
*
مَرَضٌ صيفيٌّ
اسمُكِ المهموسُ ليلاً بين النُّجوم
أو المسموعُ عَرَضاً في أحاديث المارَّة
له مذاقُ لوزٍ وبرتقالٍ مُرَّين.
هو دُرَّاقةٌ تقشَّرُ ببطءٍ،
تداعبُها رؤوسُ الأنامل
مستسلمةً بلا وعيٍ للذَّةِ السَّبْرِ
سَبْرِ التَّناغمِ المكنونِ في هسهساتِها.
له عطرُ بَخُورٍ وأزهارٍ برِّيَّة،
منهوبةٍ من الحقولِ
ومخبَّأةٍ في كتبٍ مدرسيَّةٍ قديمة.
تحدٍّ للفطرةِ السَّليمةِ هو اسمُكِ،
لهذا التَّحفُّظِ الجنوبيِّ
الذي يعلِّمُ أنَّ نكران المسرَّاتِ المقدَّمَةِ لنا
مصدرٌ للفَخَار.
أمَّا نحنُ، رُواةُ الجنس البشريِّ،
فلا نُفلِحُ في نُطقِه
دون كتابةِ الصَّدى
الذي ورثناهُ مِن هذه الأرض.
*
يوماً بعد يوم
أبداً،
لن تعرفوا أبداً
كيف يتغيَّرُ العالَمُ
حين تكون هي معي
وكيف أتغيَّرُ فيَّ
عندما تكون هي في العالَم.
سترونَ دَوماً
نفْسَ الأوضاع،
وأنتم تتأمَّلون ناعسين
المسرحَ الأشدَّ فُحشاً
لهذه الحياة المتضوِّرة.
لن تعرفوا أبداً
كيف الرِّيحُ الآتيةُ من البحر
تناكدُ شَعرَها
لتغوصَ مِن ثَمَّ فيَّ
في تنهيدةٍ متكسِّرة.
لن تشعروا أبداً
بالحياة
تتوقَّفُ
في أصغرِ إيماءة.
ستسمعون دَوماً
نفْسَ الكلمات
وأنتم تردُّون على الابتسامات
مثلَ مرايا مُضبَّبة.
وطالما نحن في العالَم
وليس فيَّ
حتَّى أنتِ لن تعرفي
أنَّكِ خالدة.
*
أسفلُ، في هذا العالَم
على درب الصَّليب
وجدتُ بقايا
ماضٍ مُنهارٍ
تحت وطأةِ شمسٍ
ومطرٍ استرقَّهُ
بكاءُ الأجراس.
أقتفي صَدعاً
عِبرَ كَرْمِ دَيرٍ رمليٍّ
ظَهَرَ في آب
ليوحيَ إلى الرِّيح
بصلواتٍ جديدة.
وبين الدَّمِ والصَّمت
لعالَمٍ يستصرخُ
من سراديبه الجائعة،
ألتقي الصَّدى
صدى مستقبلٍ يطلبُ
أن يكون حاضراً.
أكان يدَّعي الحزنَ؟
*
همساً
لا تبحث عنِّي تحتَ الأرضِ هامساً لي.
لستُ هناك، لا أسمعُك.
أنا في ابتسامات الأطفال أوَّلَ أيَّامِ الصَّيف، بين خشخشةِ العشبِ وأحضانِ الأمَّهات.
أنا في رائحةِ الخبز صبيحةَ يومِ الميلاد، بين أصابع الخبَّازين والنَّوافذ المعاكسةِ للضَّوء.
أنا في صمتِ المتاحفِ ليلةَ أحَدٍ، بين صدى الخطواتِ المتناغمة وإيقاعِ الكُحَّات.
أنا في صوتِ فتاةٍ في الرَّبيع، تتخلَّله تنهيداتٌ عكسَ الرِّيح طويلةٌ وغائرة.
أنا في عينَي فنَّانٍ حينَ استحالةِ الفكرة، فإذا ما استطاعت أن تنبعثَ أو تتحقَّقَ اغترَّتْ.
أنا في الرِّيح التي تهبُّ ضدَّ رصاصِ العِظام، الموصولةِ إلى بعضها بالقُشَعريرة.
أنا في وشوشاتِ الأحلام، الفاقدةِ المعنى في إلحاحِها واحتجابها.
لا تبحث عنِّي تحتَ الأرضِ هامساً لي.
إنَّني هنا، سأنتظركَ قليلاً بعدُ.
*
أخبارٌ عاجلة
اليومَ
رموا قنبلةً
في منتصف الرَّصيف تماماً،
لكي يرسموا الحدودَ،
لكي يخطُّوا التُّخومَ
بعِظامِ المتسوِّلين
الملمومةِ من الشَّوارع.
علَّقوا دفتراً
على عمود إنارةٍ محترِق
لجمعِ تواقيعِ
الحملةِ القادمة.
أغلقوا المطارَ
وفي المحطَّةِ
أرى دائماً نفسَ القطارِ
يتصنَّعُ الوصولَ
من القرى المقصوفة.
في ما وراء الجدار
يمكن للمرء أن يرى مشاعلَ
الموكبِ اللامتناهي
المضطربِ مِن هَرْجِ الموتى
في الغرفةِ المجاورة.
اليومَ
ليس ثمَّة إلهٌ لنكفرَ به.
لقد سقطَ عن الصَّليب،
مطروداً من آلامِ الشَّهادة
بعدَ الانقلاب.
*
مسألةٌ أخلاقيَّة
ابنُ بائعِ الزُّهور
سمعَ طلقاً ناريَّاً
بالقرب من المحطَّةِ
فقامَ بتصوير الجدران
المصبوغةِ بلونٍ أحمرَ
يذكِّرُ العالمَ بأنَّنا
انقلبنا
إلى صُفرةِ الشِّعارات
وارمدادِ الحواسيب.
نشرةُ الأخبار
تؤكِّدُ أنَّ الدَّمَ
له نفسُ لونِ ذلك المطبوعِ
على الأسفلتِ المتأجِّج
في أمسيةِ صيف.
الأخلاق المعاصرة
تُقصي المصابَ بعمى الألوان.
*
ذاتَ صباح
اليومَ
توقَّفَت السَّماءُ عن المطر
والشَّمسُ نقرَتْ
بأصابعها على الجفون
مُشعِلةً
فكرةً تِلوَ فكرة،
وحياةً تِلوَ حياة
كلَّ عينٍ من العيون،
كلَّ عينٍ تغوصُ في السَّقف
بحثاً عن السَّماء
المكدَّسَةِ فوقَ أجيالٍ كاملةٍ
من الأسمنت المسلَّح،
أجيالٍ مسخَّرةٍ للإنسان
كيما تقيهِ الرِّياحَ
وتُقصي اللهَ
عمَّا تبقَّى
من صدورِ الجبال.
هي ذي المصابيحُ
المتروكةُ للأرق
على خشب خزائن الليل
تلقى راحةً
من عذابها المعتاد.
أحياناً
أحتاجُ
ليلةً أطوَلَ،
قطرةً من الظَّلام
تُصَبُّ على عينيَّ
لكي أشعرَ بالمطر.
إذا أردتَ
أن تكون معي
وأن تَرَاني في نهاية المطافِ
أتلألأ،
أغمضْ عينيك
يكنْ في الحالِ لَيل.
*
رسائل من الألفيَّة الثَّالثة
دعونا نغرق
بين أبواقِ الشَّوارع
وتوربيناتِ أجهزةِ المراقبة،
مستسلمين للحجومِ الهستيريَّة
لتطوُّرٍ يزداد جوعاً،
يطاردُ الأرقامَ
واطئاً بقدميه مساكبَ الوردِ،
داكَّاً الكنائسَ،
مُطوِّقاً بالجنونِ الاعتياديِّ
الأطفال الجائعين في السَّاحات
والشُّيوخ الرَّاقدين
على جوانب الطُّرقات.
دعونا نسحب
أنقاضَ المنازل،
أنقاضَ أنفسِنا،
لكي نخمدَ الحريق
حريقَ ماضٍ مشوَّه،
حريقَ تاريخٍ خطَّاءٍ
يثرثرُ عن مجانين
تولَّهوا بعشقِ العالَم.
دعونا ننم
تحت هذه الأضواء البيضاء،
في مرايا العيون
التي لم تعدْ تُجيدُ البكاء.